رابعة الزيّات تتحدّى السائد بجرأة في “فوق 18”
سيرتها ليست عادية، بل هي المخضرمة في مجالها؛ طلّتها وُسمت بالأناقة والترفّع. صاحبة الوجه الجميل، لا تطرق سداناً لتغرس مسماراً في الحوارات الكثيرة التي قدمتها، بل دوماً تريد أن تكشف عن الوجه الإنساني لضيوفها دون أن تخدش حياء ودون مبالغة أو إثارة زوابع في أي برنامج قدمته.
رابعة الزيات، إسم عمره 20 عاماً في الشاشة. في البدايات كانت وجه الصباح في برامجها، تتوجّه لكل العائلة بلغتها الرصينة والهادفة. تطورت واجتهدت ومرّت بفصول عدّة، حتى صارت اليوم وجه المساء، تحكي كلاماً متخصصاً لمن هم في سن النضوج. “فوق 18” عنوان برنامجها الجديد على شاشة “الجديد”.
يأتي برنامج رابعة الجديد كحصاد عقدَين من الخبرة، اغتسلت خلالها جيداً بضوء الشاشة وباتت تعرف كيف توجّه رسائلها أكثر. فهي الإعلامية التي علمّت في البرامج المنوعة والفنية، ووصلت السقف الأعلى في الشهرة في برنامج “بعدنا مع رابعة”، ولم تكتفِ بل واصلت سيرها نحو كل جديد. ومن خلال انتقالها بين عدة محطات، كانت تزرع، تحصد وتغادر نحو أرض جديدة؛ فمن تلفزيون NBN إلى “الجديد” ومن ثم إلى “لنا”، لتحطّ مؤخراً في “الجديد” ببرنامج كل ما فيه مغاير عليها وعلى المشاهد.
تأتي رابعة كعادتها، حاملة كل عدّتها المسائية لملاقاة المشاهد. أناقة وترتيب وصياغة محبوكة. تدرس كل كلمة قبل النطق بها؛ تزيّن عبارتها جيداً ولا ترفع نبرتها حتى ولو كان الموضوع شائكاً ويحمل تأويلات عدة. “فوق 18” برنامج قوي وصادم نوعاً ما في المجتمعات المحافظة والضيقة، فهو يتطرّق للكثير من المحرّمات في المجتمع. بدأته رابعة بموضوع الجنس قبل الزواج، ودارت رحى البرنامج وكأن طاحون يغزل في مساء الأربعاء على “قناة الجديد”، فهي تلامس المحظور وتعرضه وتناقش فيه من خلال عدّة ضيوف معاً، يتناقشون ويتشاجرون ويعلو الصوت وتشتدّ الواقعة.
رابعة المعروفة بالالتزام والكلاسيكية، هي في “فوق 18” تحافظ على مظهر كلاسيكي كامل مهندم من خلال ارتداء التيور “البدلة النسائية” لتفتح باب الجرأة على مصراعيه، وتفتح أبواباً ليس من السهل فتحها، وكأن بها تريد أن تفتح نقاشاً عصياً وجريئاً، وبنفس الوقت تريد أن تهندم الحوار. وهذا ما تجيده رابعة خلال كل مسيرتها، فهي القادرة على نزع “السكوب” بطريقة لائقة دون خدش ودون غبار؛ فهذه اللعبة باتت بليغة عندها وتعرف كيف تدور حوارها وتغوص في الجريء دون ابتذال، وتكشف المستور دون غاية واهية. خطّها وشخصيتها باتت واضحة مع مرور الزمن، فهي من الإعلاميين القلائل الذين يفتحون الصفحات من أجل الجدية والثقافة، أكثر من كونها تريد تحقيق “سكوب” على حساب الضيف أو لنشر فضيحة. وهذا ما عزّزته أكثر في برنامجها المستمر على “لنا” بـ”شو القصة”، حيث تنبش في خفايا ضيوفها المعروفين ليحكوا قصة كان لها أثر، فتضيء الظل ليصبح مرئياً وتفتح المخفي ليصبح مغزى وتنكش في الماضي ليتحول عبرة. هي استقصائية ناعمة الأظافر انسانية الفحوى، معبرة وساكبة الشغف في إناء يشبع الحشرية والإثارة.
هذا التطوّر في عملها أوصلها إلى الذروة في خوض التحدّي الأكبر من خلال “فوق 18″؛ برنامج للناضجين فقط، يعالج قضايا ساخنة ومخيفة أحياناً. فهل ستنجح رابعة في سكب جرعة من الحرية في مجتمعنا دون أن تثير بلبلة ودون أن تُحارب أو يصوب عليها على أنها مسوقة للممنوع؟
لكن الحق يقال، مهمتها صعبة وتحتاج وتداً متمرساً وقادراً على الوقوف في وجه الأقلام والأفواه التي قد تشنّ حرباً عليها.
لكن مَن أفضل مِن رابعة يمكن أن يحكي في الشائك والممنوع دون ابتذال، مع مخزون كافٍ من الثقافة واللياقة؟ لا شكّ هي من بين الأفضل على الاطلاق، على أمل أن تحقّق رابعة أهدافها ويكون برنامجها منارة جديدة نحو الحرية والتغيير الجيد.
كمال طنوس